"السترات الصفراء"؟

ألمانيا: هل تنجح المحاولات الخجولة بمحاكاة احتجاجات "السترات الصفراء"؟

  • ألمانيا: هل تنجح المحاولات الخجولة بمحاكاة احتجاجات "السترات الصفراء"؟

دولي قبل 5 سنة

ألمانيا: هل تنجح المحاولات الخجولة بمحاكاة احتجاجات "السترات الصفراء"؟

على وقع التظاهرات الفرنسية المستمرة منذ أسابيع، تزيد الخشية من امتداد هذه الحركات الاحتجاجية إلى دول أوروبية أخرى، إذ نما مع التطورات الأخيرة شبح التمرّد المتصاعد، في ظلّ ما تعانيه القارة العجوز أساساً من تمدّد للحركات اليمينية الشعبوية والمتطرفة، وهو ما انعكس إرباكاً في أوساط المسؤولين في ألمانيا التي خرجت فيها شخصيات تدعو إلى السير بموجة الاحتجاج الباريسية. وكانت برزت خلال الأيام الماضية بعض التحركات الاحتجاجية التي لم يتجاوز عدد المشاركين فيها العشرات ممن ارتدواالسترات الصفراء، إضافة إلى قيام بعض الأشخاص، قبل أيام، بتعليق عدد منها على الطريق السريع في منطقة ديساو روسلاو التابعة لولاية ساكسونيا أنهالت، حيث تمّ اكتشافها من قبل الشرطة التي لم تعلن عن أي معطيات حول الجهة التي قامت بها.

وفي الإطار ذاته، كانت لافتة تصريحات زعيمة كتلة اليسار في البوندستاغ، سارة فاغنكنشت، التي أطلقت أخيراً حركة "انهضوا"، واستقطبت، بحسب فاغنكنشت، حوالي 167 ألف عضو عبر الإنترنت، 80 في المائة منهم من غير الحزبيين، فيما 11 ألفا من اليسار و5 آلاف من الحزب الاشتراكي وألف عضو من "حزب الخضر"، وذلك بعد مرور 100 يوم على تأسيسها. وأشادت فاغنكنشت في تصريحاتها بتحركات محتجي "السترات الصفراء" في فرنسا ضدّ السياسة الاقتصادية والاجتماعية للرئيس إيمانويل ماكرون، واصفةً إياها بـ"المبررة تماماً"، ودعت إلى قيام تحركات احتجاجية في ألمانيا على غرار التحركات الفرنسية والتعلّم منها.

وأوضحت فاغنكنشت في حديث لوسائل إعلام ألمانية "أعتقد أنه من الصواب عندما تزيد السياسة من سوء حياة الناس أن تدفعهم إلى الاحتجاج"، مضيفةً "هذا التحرّك ليس من اليمين أو اليسار، لكنه انتفاضة ضدّ حكومة الأغنياء... أودّ أن أرى احتجاجات أقوى في ألمانيا ضدّ حكومة تهتم أكثر بمصالح جماعات الضغط التجارية ضدّ مصالح الناس العاديين، وذلك لمزيد من التوازن الاجتماعي، ولأننا بتنا بحاجة إلى سياسة مختلفة جذرياً". وأسفت فاغنكنشت في المقابل من محاولات اليمينيين احتضان المحتجين والزجّ بهم في مسار العنف.

الدعوة نفسها أطلقتها رئيسة كتلة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، أليس فايدل، التي قالت "يمكن للمرء أن يتعلّم من جماعة السترات الصفراء"، معتبرة أن هذه الاحتجاجات "هي نتيجة للسياسات العدائية ضدّ الطبقة العاملة".

 

وعمّا إذا كانت ألمانيا مهدّدة بسيناريو مشابه لفرنسا، بعد أن اقتصرت مرحلياً الاحتجاجات على مجموعات على "فيسبوك"، لم تجمع أكثر من 50 ألف شخص، بحسب ما ذكرت صحيفة "شفارينر فولكس تسايتونغ"، وهو العدد التقريبي نفسه الذي انطلقت منه حركة "بيغيدا" اليمينية المعادية للإسلام، متخذة من هناك قوة دفع لمختلف التظاهرات في حينها، اعتبر الباحث السياسي في جامعة "دريسدن"، هانز فورلاندر، في حديث صحافي، أنّ "هذا النمط الاحتجاجي شائع لمثل هذه الحركات (السترات الصفراء) التي يتم الاستقطاب لها أولاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن ثمّ تنتقل إلى الشارع". لكن فورلاندر استبعد انتقال موجة الاحتجاجات الفرنسية إلى ألمانيا في الوقت الحالي، مرجحاً أن تبقى ضمن الإطار الضيّق، كما حصل خلال الأيام الماضية، حيث خرجت في بعض المدن مجموعات صغيرة بينها مَن طالب بعدم التوقيع على ميثاق الهجرة، وبينها من كانت له مطالب أخرى تتعلّق بالضرائب والعدالة الاجتماعية. وبحسب فورلاندر، الوضع مغاير في فرنسا "حيث يتعلّق الأمر بمسألة نظام، فالسلطة المركزية مع الرئيس والنقابات ليست خلفه. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الفرنسيين فوضويون تقليدياً".

 

وقد ظهرت في الأيام الأخيرة العديد من التعليقات في الصحف الألمانية التي اعتبرت أنّ التنظيم الذاتي واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحركات الشعبية التي تحصل في أوروبا، تشبه إلى حدّ كبير ما حصل في بدايات الربيع العربي. لكنّ الكثير من المراقبين يتوافقون مع فورلاندر، إذ يرون اختلافاً في طريقة الاحتجاج المعتادة بين الفرنسيين والألمان المعروفين بانضباطهم، حيث يسود في ألمانيا انطباع عام أنّ المسّ بالممتلكات العامة خط أحمر، وبالتالي أي مسيرة أو حركة تستخدم هذا الأسلوب ستفقد الدعم الشعبي بسرعة كبيرة.

بدورها، ميّزت الباحثة صابرينا تساياك من "معهد البحوث الاحتجاجية والحركة" الألماني، في حديث صحافي، بين الاختلافات الواضحة بين المناطق الحضرية والريفية في فرنسا بالمقارنة مع ألمانيا. إذ "تتواجد النخب الاجتماعية المتميّزة في المدن الكبرى في فرنسا، وهنا يمكن الحديث عن أشخاص يشعرون بالعزلة في ظلّ غياب اللامساواة الاجتماعية والدخل غير المتكافئ"، مضيفةً "كما أنّ مناطق الأرياف هي الأكثر استخداماً للسيارات من سكان المدن، وموجة الغضب انطلقت بسبب التوجّه لرفع أسعار المحروقات".

وللمفارقة أنه في ألمانيا، ومنذ العام 2014، يسري قانون يوجب على سائقي السيارات استخدام سترات السلامة ليلاً، وذلك عند وقوع حادث مروري أو عند تعطّل الآلية. ولا يتجاوز سعر السترة الواحدة 2 يورو، مع السماح باستخدام ثلاثة ألوان هي، البرتقالي والأحمر والأصفر. ويستخدم أغلب السكان اللون الأصفر، لأنه يمكن ملاحظته بقوة في الظلام، كما يتم استخدام هذه السترات من قبل راكبي الدراجات، وهو ما جعلهم في هذه الفترة موضع شبهة، إذ يمكن أن يساء التقدير تجاههم من قبل الشرطة.

 

التعليقات على خبر: ألمانيا: هل تنجح المحاولات الخجولة بمحاكاة احتجاجات "السترات الصفراء"؟

حمل التطبيق الأن